بسم الله الرحمن الرحيم
الفقرات التي تشير إلى القبض على يهوذا ومحاكمته وصلبه بدلاً من المسيح
منها: « لأنك أقمت حقي ودعواي، جلست على الكرسي قاضياً عادلاً، انتهرت الأمم، أهلكت الشرير،.. تورطت الأمم في الحفرة التي عملوها، في الشبكة التي أخفوها انتشبت أرجلهم، معروف هو الرب قضاءً أمضى: الشرير يعلق بعمل يده » المزمور 9/4 - 16 ، فهل تحقق قضاء الله الماضي في يهوذا أم تخلف؟
« الشرير يتفكر ضد الصديق، ويحرّق عليه أسنانه، الرب يضحك به، لأنه رأى أن يومه آت، الأشرار قد سلوا السيوف، ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير، لقتل المستقيم طريقهم، سَيْفُهُم يدخل في قلبهم وقسيهم تنكسر » المزمور 37/12 - 15 ، من ذا الذي ارتدت المؤامرة عليه، فدخل سيفه في قلبه، وانكسرت قسيه بفشل مؤامرته كما في مزمور آخر « يؤخذون بالمؤامرة التي فكروا بها » المزمور 10/3 .
« يا الله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف، غطى الخجل وجهي، صرت أجنبياً عند إخوتي، وغريباً عند بني أمي،... . أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي، قدامك جميع مضايقي، العار قد كسر قلبي فمرضت، انتظرت رقة فلم تكن، ومعزين فلم أجد، ويجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خَلاًّ» المزمور 69/5 - 21 ، فمن هو صاحب الحماقة والذنوب والعار والخزي والخجل، من هو ذاك الذي كسر العار قلبه، ذاك الذي سقوه الخل وهو على الصليب، هل يعقل أن نقول : إنه المسيح؟ لا، إنه يهوذا الخائن.
« خاصِمْ يا رب مخاصِمي، قاتِلْ مقاتلي،.. ليخر وليخجل الذين يطلبون نفسي، ليرتد إلى الوراء، ويخجل المتفكرون بإساءتي.. لأنهم بلا سبب أخفوا لي هوة شبكتهم، بلا سبب حفروا لنفسي، لتأته التهلكة وهو لا يعلم، ولتنشب به الشبكة التي أخفاها، وفي التهلكة نفسها ليقع » المزمور 35/1 -8 .
ويخلص الأستاذ العلامة منصور حسين إلى نتيجة وهي: « مِن جماع ما تقدم لا نخلص إلا بأن المزامير تنبأت بحق بأن الله مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، يرفعه من أبواب الموت، يرفعه فوق القائمين عليه، يرسل من العُلا فيأخذه.
أما يهوذا الإسخريوطي الذي حفر له هذه الحفرة، وأتى على رأس الجمع من جنود وخدام ليقبضوا عليه، على المسيح سيده، فإنه في الحفرة نفسها يقع، وبعمل يديه يعلق، رجع تعبه على رأسه، وعلى هامته هبط ظُلمه، صار عاراً عند البشر، فقبض عليه هو بدلاً من المسيح، وحوكم هو، وصلب بدلاً منه.
وهكذا تستقيم النبوءة في المزامير، وهكذا تتجلى النبوءة في المزامير، في أسطع وأروع وأسمى ما تكون النبوءة، ليست آية نحرفها، أو كلمة نُحوّر معناها، بل صورة كاملة، عشرات الآيات، عشرات المزامير، كلها تنطق بصورة واحدة متكاملة، تتكرر كثيراً، ولكن أبداً لا تتغير.
هذه الحقيقة هي تلك التي نطق بها القرآن، واعتقدها المسلمون... ولمن يريد أن يزيد يقيناً، فها هي المزامير كلها في الكتاب المقدس، الذي يؤمن به المسيحيون، ويتداولونه، وإليها فليرجع، ولن يزيده هذا إلا يقيناً وتقديراً لهذه الحقيقة التي انتهينا إليها.. » .
والاحتجاج بالمزامير على نجاة المسيح قديم، بل يرجع للمسيح إن صح ما في إنجيل برنابا. فقد جاء فيه أن المسيح قال: « إن واحداً منكم سيسلمني فأباع كالخروف، ولكن ويل له، لأنه سيتم ما قاله داود أبونا عنه، أنه سيسقط في الهوة التي أعدها للآخرين» برنابا 213/24 - 26 .
وإذا قلنا إن المزامير بشرت بنجاته، فللنصارى أن يقولوا: كيف لم يعرف المسيح ذلك من العهد القديم؛ لم قال عن نفسه بأنه سيصلب كما في الأناجيل؟
والإجابة عن هذا التساؤل لا تلزمنا نحن المسلمين الذين لا نعتد بما جاء في هذه الكتب، إلا ما قام عليه دليل من ديننا.
ثم القصة هي امتحان للمسيح عليه السلام، كما كان الأمر بالذبح امتحاناً لإبراهيم وابنه الوحيد، ولو عرف المسيح نتيجة الامتحان مقدماً لما كان له أي معنى، كما لو عرفها إبراهيم، فلذلك خفيت عليه، وليس لقصور فهمه أو إدراكه، حاشاه، ولكن لتتحقق إرادة الله بامتحانه، ونجاته في الامتحان.
ثم لا يمكن القطع بأن المسيح لم يعرف المعنى الصحيح الذي تدل عليه النبوءات، بل قد يكون المسيح عرف ذلك فلجأ إلى الله يتضرع إليه ويسأله صرف هذه الكأس، لأنه عرف أن الله يستجيب دعاءه وتضرعه، بينما لو وافقنا الرواية الإنجيلية بأن المسيح علم أنه سيصلب ثم صلب، فما فائدة تضرعه ودعائه، ولم كان جزعه يأسه وصراخه على الصليب «لماذا تركتني» ؟
كما ثمة أمر آخر وهو أن فهم النبوءات لا يعني يقيناً معرفة الساعة، وتحديد اليوم الذي سيسعى أعداؤه فيه للقبض عليه.
كما ثمة نبوءاتُُ أو نصوص. تمنع أن يكون المسيح قد صلب فداء عن البشرية منها ما جاء في سفر الأمثال: « الأشرار يكونون كفارة لخطايا الأبرار » أمثال 21/18 .
ويورد المحققون نصاً توراتياً آخر يدل على نجاة المسيح وصلب غيره، فقد جاء في سفر الأمثال « بر الكامل يقوم طريقه، أما الشرير فيسقط بشره بر المستقيمين، ينجيهم، وأما الغادرون فيؤخذون بفسادهم، الصديق ينجو من الضيق، ويأتي الشرير مكانه » الأمثال 11/5 - 8 .