5 ـ آية التبليغ :
و هي قول الله عز و جل : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
﴾ [25] .
و لقد صرّح الكثير من المفسرين بأن نزول آية التبليغ كان في يوم الغدير لدى رجوع النبي ( صلى الله عليه و آله ) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ " غدير خم " [26] ، و في ما يلي نذكر بعض من صرّح بذلك [27] :
1. أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي ، المتوفى سنة 127 هجرية ، عن ابن عباس ، قال : نزلت الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...
﴾ [28] في علي حيث أمر الله سبحانه أن يخبر الناس بولايته ، فتخوّف رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أن يقولوا حابى ابن عمه و أن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله تعالى إليه ، فقام بولايته يوم غدير خم ، و أخذ بيده ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " [29] .
2. أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، المتوفى سنة : 468 هجرية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : " نزلت هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...
﴾ [30] يوم غدير خم ، في علي بن أبي طالب رضي الله عنه " [31] .
3. عبيد الله بن عبد الله بن أحمد ، المعروف بالحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري : روى بإسناده عن ابن عباس في قوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...
﴾ [32] الآية ، قال : نزلت في علي ، أمر رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أن يبلّغ فيه ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بيد علي فقال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " [33] .
4. فخر الدين الرازي ، المتوفى سنة : 604 هجرية : ذكر من جملة الوجوه الواردة في سبب نزول آية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...
﴾ [34] أنها نزلت في الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، و عَدَّه الوجه العاشر من الوجوه المذكورة ، قال : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و لمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده و قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " ، فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة .
و هو قول ابن عباس و البراء بن عازب و محمد بن علي [35] .
5. جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة : 911 هجرية : روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : " نزلت هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ...
﴾ [36] على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب " [37] .
6 ـ آية الإكمال :
و هي قول الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...
﴾ [38] ، و قد نزلت هذه الآية المباركة بعد أن نصب رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) خليفة له و إماماً على أمته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في مكان يقال له غدير خم .
قال السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...
﴾ [39] ذكر عن ابن مردويه و الخطيب و ابن عساكر عن أبي هريرة قال : لمَّا كان يوم غدير خم ، و هو يوم ثماني عشرة من ذي الحجة قال النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...
﴾ [40] [41] .
الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على إمامة علي ( عليه السَّلام ) و خلافته بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) دون غيره :
و أما الأدلة الواضحة و الصريحة من الأحاديث النبوية الشريفة على أن خلافة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) الحَقَّة هي لعلي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) حصراً ، و أن علياً هو الإمام و الولي بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بأمر و تعيينٍ إلهي و نصب و تصريح نبوي في مواضع عديدة فهي كثيرة جداً لا مجال لذكرها تفصيلاً هنا ، فلذلك فإنا نُشير إلى نماذج منها .
الحديث الأول :
في مبدأ الدعوة الإسلامية قبل ظهور الإسلام بمكة ، حين أنزل الله تعالى على النبي ( صلى الله عليه و آله ) ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
﴾ [42] فدعاهم إلى دار عمه ـ أبي طالب ـ و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، و فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب ، و الحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، و في آخر ما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا و الآخرة ، و قد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم ؟
فأحجم القوم عنها غير علي ـ و كان أصغرهم ـ إذ قام فقال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ رسول الله برقبته و قال : إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا ، فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع [43] .
الحديث الثاني :
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لعلي ( عليه السَّلام ) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ، و هذا الحديث من الأحاديث المتواترة فقد رواه جماعة كثيرة من الصحابة [44] منهم : سعد بن أبي وقاص ، معاوية ، حبشي بن جنادة ، جابر ، أبوسعيد الخدري ، سعد بن مالك ، أسماء بنت عميس ، هبد الله بن عمر ، ابن أبي ليلى ، مالك بن الحويرث ، علي بن أبي طالب ، عمر بن الخطاب ، عبد الله بن عباس ، أم سلمة ، عبد الله بن مسعود ، أنس بن مالك ، زيد بن أرقم ، أبو أيوب ، أبو بردة ، جابر بن سمرة ، البراء ، أبو هريرة ، زيد بن أبي أوفى ، نبيط بن شريط ، فاطمة بنت حمزة .
الحديث الثالث :
أخرج أبو داود الطيالسي ـ كما في أحوال علي من الاستيعاب ـ بالإسناد إلى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب : " أنت ولي كل مؤمن بعدي " [45] .
الحديث الرابع :
قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، و هو آخذ بضبع علي : " هذا إمام البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، ثم مدَّ بها صوته " ، أخرجه الحاكم من حديث جابر في ص 129 من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك ، ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه [46] .
الحديث الخامس :
قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " أوحي إليّ في علي ثلاث : أنه سيد المسلمين ، و إمام المتقين ، و قائد الغر المحجلين " ، أخرجه الحاكم ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه [47] .
الحديث السادس :
قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " أول من يدخل من هذا الباب إمام المتقين ، و سيد المسلمين ، و يعسوب الدين ، و خاتم الوصيين ، و قائد الغر المحجلين ، فدخل علي ، فقام إليه مستبشرا ، فاعتنقه و جعل يمسح عرق جبينه ، و هو يقول له : أنت تؤدي عني ، و تسمعهم صوتي ، و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي " [48] .
الحديث السابع :
قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " إن الله عهد إلي في علي أنه راية الهدى ، و إمام أوليائي ، و نور من أطاعني ، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين ... ـ الحديث ـ " [49] .
الحديث الثامن :
قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا ، هذا علي فأحبوه بحبي ، و أكرموه بكرامتي ، فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عَزَّ و جَلَّ " [50] .
الحديث التاسع :
قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " أنا مدينة العلم و علي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب " [51] .
الحديث العاشر :
قوله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي : " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " [52] ، أخرجه الحاكم في صفحة 122 من الجزء الثالث من المستدرك من حديث أنس ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه .
قال العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) بعد ذكره هذا الحديث : إن من تدبر هذا الحديث و أمثاله علم أن عليا من رسول الله بمنزلة الرسول من الله تعالى ، فإن الله سبحانه يقول لنبيه : ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
﴾ [53] ، و رسول الله يقول لعلي : " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " [54] . [1] القران الكريم : سورة الجمعة ( 62 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 553 .
[2] القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 546 .
[3] القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
[4] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 و 56 ، الصفحة : 117 .
[5] و تُسمَّى هذه الآية بآية الولاية لبيانها موضوع الولاية و هي من الآيات المحكمات التي تُثبت الولاية لله تعالى و لرسوله ( صلَّى الله عليه و آله ) و للإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
[6] الخِنْصَر : الإصبع الصغرى من الأصابع .
[7] المَرِج : الواسع .
[8] الكشاف : 1 / 347 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[9] القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 25 ، الصفحة : 313 .
[10] القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 313 .
[11] القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 389 .
[12] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 ، الصفحة : 117 .
[13] أي يشير بيده إلى السائل من خلفه .
[14] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 ، الصفحة : 117 .
[15] التفسير الكبير : 2 / 26 .
[16] القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 119 ، الصفحة : 206 .
[17] القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 119 ، الصفحة : 206 .